لقد أمر ربنا - سبحانه وتعالى - بإيفاء الحقوق وإيصالها إلى أصحابها، وتكميلها وإتمامها، وحذرنا من بخسها ونقصها، وغمط أهلها، وهذا من أُسس دعوات الأنبياء، وقد قال شعيب - عليه السلام - لقومه: {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ}(سورة الأعراف:85) بعد أن أمرهم بالتوحيد، ونهاهم عن الشرك فقال: {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}(سورة الأعراف:85)، وأنذرهم بإرساله إليهم فقال: {قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}(سورة الأعراف:85)، وأمرهم بإكمال الحق فقال: {فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ}(سورة الأعراف:85)، ونهاهم عن النقص فقال: {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ}(سورة الأعراف:85).
وهكذا فإن قضية إعطاء الحقوق، وتكميلها؛ هي من أسس دعوات الأنبياء، وقد جاءت في القرآن بأسلوب النهي عن الإنقاص فقال تعالى: {وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ}(سورة هود:84)، وجاءت بأسلوب الأمر بالتوفية والإتمام {فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ}(سورة الأعراف:85) وفي آية أخرى: {أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ}(سورة هود:85)، وهذا لتمكُّن جريمة التطفيف في مجتمعهم.
حقيقة البخس وصوره
والبخس هو الإنقاص على سبيل الظلم والتعييب، أو التزهيد، أو المخادعة عن القيمة، أو الاحتيال في التزيُّد في الكيل والنقصان منه.
وقوله تعالى: {وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ}(سورة الأعراف:85) تشمل الأشياء المادية والمعنوية وليست مقصورة على البيع والشراء فقط، بل تدخل فيها الأعمال والتصرفات، وكذلك تقييم مجهودات الناس، ومعرفة منازلهم، وإنزالهم إياها.
والبخس يشمل النقص والعيب في كل شيء، فهو يشمل بخس الحق، وبخس المال، وبخس العلم، وبخس الفضل، ويشمل أيضاً المساومة والغش والحيَل التي تُنتقص بها الحقوق، ومنه بخس الحقوق المعنوية كالعلوم والفضائل.
وصور بخس الحقوق في زماننا كثيرة، وهي من أسباب المحق، وزوال البركة.
بخس حق الله تعالى وأنبيائه عليهم السلام
فيأتي على رأس جرائم البخس: بخس الله تعالى حقه، فإن المشركين الذين يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم ويشركون معه غيره، ويزعمون له الولد كقول اليهود: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ}(سورة التوبة:30) وكقول النصارى: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ}(سورة التوبة:30) وكقول من قال من المشركين: الملائكة بنات الله، وسبّ اليهود لله بقولهم: {إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء}(سورة آل عمران:181) وقولهم: {يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ}(سورة المائدة:64) كل هذا من بخس الله حقه.