صديق من عالم آخر
أُدخل السجن ، فجلس في زاوية من زواياه مهموماً ، يُقلّب كفيه ويكلم نفسه ، فأقبل عليه شيخ عليه سيماء العقلاء ، فقال : عجباً!همٌ ودنيا إلى زوال ؟. قال السجين : يا شيخ ،لا صديق صادق ولا صاحب صالح ولا ولي ناصح ؟ . قال الشيخ : ربما سوء الاختيار لا قلة الأخيار !. قال وهل ملأت كفك يا شيخ ؟. قال : بلى ، ناصح يغنيك عن كل صاحب.
قال : صفه لي قبل ذلك ، كيلا أقع بما لا يصلحه الندم؟.
...قال الشيخ : صاحب لا يفارق من صحبه، ولا يسأم من طول صحبته، يقدم مصلحتك على مصلحته . لا يفضل عليك أحد، وإن طال بكما الأمد . لا يبتدئك الكلام حتى تسأل ، وإن أسكته سكت ولم يجادل ، وإن انشغلت عنه لم ينشغل عنك . ان طلبت منه شيئاً أعطاك ، ولا يطلب منك شيئاً لنفسه ، ولا يطمع منك بشيء لا في الدنيا ولا في الأخرى . لا ينزعج منك مهما أزعجته بل وإن ظلمته وأهنته ، لا يتغير عنك بحال ، ولا يبدِلُ لك المقال ، دائماً صادقاً ناصحاً صالحاً . إن استنصحته نصحك ، وان استشرته أشار بما يصلحك . وإذا نزل بك البلاء فهو أول من يرفع أكفه نحو السماء، وإن رآك حملتَ نفسك على الهَلَكَة نبهك وحذرك، وبين لك مُنقَذَكَ ومخرجك . إن طلبت العلم وجدته عالما بكل ما تريد ، أو طلبت النفع وجدته فياض بكل ما يفيد . يحسن إليك وإن أسأت إليه .
لا يهجرك وان هجرته ، ولا يبغضك وان بغضته . لا يحسدك في عطاء ولا يشمت بك في بلاء . يحرسك ليلا ويصحبك نهارا .
إن طلبته في أي ساعة من ليل أو نهار وجدته مستبشرا منشرحاً. إذا رآك مخطئاً لا يجاريك ، وإن رآك محقاً لا يماريك ، ولا تأخذه في الحق لومة لائم .
إن صدقت معه حال بينك وبين ما تخشى ، وأبعدك عن أيادي العِدا. لا يخلف ما وعد ولا ينقض ما عهد . وهذا قليل ، وكثيره كثير.
فقال السجين :لله درّك يا شيخ ، دلني عليه فقد شوقتني إليه ؟.
قال الشيخ :هو القرآن .