الشك
دخل عليَّ هو وزوجته ، وقال لي: أقول لك باختصار مشكلتي ، فأنا على علاقةٍ
بهذه المرأة منذ زمن ، وإني أحببتها ، وكنت في الماضي أمارس الحرام معها
وهي كذلك ، ولكننا تبنا إلى الله تعالى وتزوجنا ، وعلاقتنا ممتازة والحمد
لله .
ولكني أعاني من مشكلة معها ، وهي تعرف ذلك : إني أشك بها كثيراً بسبب
الماضي الذي بيننا ، ودائماً تراودني الخواطر بأنها على علاقة بشابٍّ آخر ،
لدرجة أني لو اتصلت عليها وعلمت أن هاتفها مشغول فإن قلبي يحترق ، وتبدأ الشكوك وأقرر أن أطلقها !
وهي تقول لي: إنها صديقتي ، وأكتشف بعد فترة أنها صادقة ، ولكني تعبت من مشاعري تجاهها ، وأحيانا أشعر أني أكرهها عندما أشكُّ بها !
فالتفتُّ إليها وسألتها عدةَ أسئلة ، فأكّدت ما ذكره زوجها ، وقالت: والله إني تبت توبة نصوحة والآن أنا محافظة على
صلاتي وعبادتي تجاه ربي ، ودخلت في مشروع حفظ القرآن أنا وزوجي حتى نُكفّر
عن الماضي ، وأنا كبرتُ بالسن وهو كذلك ، ولا أُفكر ولو للحظة واحدة أني
سأرجع للماضي الذي عشته ، بعدما أنعم الله عليَّ بنعمة الهداية وذقت حلاوة
الإيمان ، ولكني لا أعرف كيف أتعامل مع زوجي الذي يشك فيني دائماً ، فصرتُ
كلما عملتُ اتصالاً عرضتُ عليه الرقم الذي اتصل به كل يوم ، حتى يطمئن قلبه
.فالتفت عليَّ زوجها وقلت له :
أولاً : احمد الله تعالى أن وفّقكم للتوبة من تلك
المعصية الكبيرة ، وعليكما أن تجتهدا بالطاعة والعمل الصالح ، فربَّ سيئةٍ
تقود صاحبها إلى الجنة كما قال الصالحون ، ويقصدون بها أن مَنْ فعل السيئة
تظل أمام عينيه ، ويعمل طوال عمره في التكفير عنها والعمل الصالح ، فتكون
سبباً في دخوله الجنة .
ثانياً : إن الشك هو من مداخل إبليس عليك ، طالما أنه لا يوجد دليل مادي
وواضح يدل عليه، فالأصل في العلاقة حسن الظن ، وهذا هو الأساس ولكني أقترح
عليك أن لا تنجب منها طفلاً حتى تطمئن نفسك منها .
ثالثاً : أودُّ أن أقول لك: إن ما ذكرته كذلك ينطبق
عليك ؛ لأنك أنت لك ماض كذلك ، ولكنها هي صدَّقت توبتك وقبلتك ولم تشكَّ
فيك ، فعليك أن تبادلها نفسَ المشاعر ، وتتعامل معها كما تتعامل مع نفسك .
رابعاً : لو كل شخص لديه ماض تعاملنا معه مثل ما تتعامل أنت معها ، لَما
رأيت معاملةً صادقةً بين الناس ، ولهذا لو تأملت في السيرة النبوية لوجدت
أن أكثر الصحابة الكرام كان لهم ماضٍ سيء في الجاهلية ، وحين تابوا واهتدوا
صلح أمرهم ، (والإسلام يجب ما قبله) ، وعفا الله عما سلف ، بل وأصبحوا
للمسلمين قدوةً في سيرتهم بعد التوبة والإسلام .
خامساً : تذكَّرْ دائماً المعاني الإسلامية ؛ لأنها
تطرد وسواس الشيطان ، فإذا كانت زانيةٌ من بني إسرائيل أدخلها الله الجنة
بسبب توبتها الصادقة وسقيا كلب ، فكيف بزوجتك وهي المسلمة التي تابت توبة
صادقة وتقوم على خدمتك وخدمة أهلك ، وقد بادرت لحفظ القرآن والتزمتْ ؟
فنظر إليَّ وقال : والله كنتُ في حيرة من أمري ، وقد قرّرت الطلاق ، ولكن
الكلمات التي ذكرتها لي جعلتني أُصحّح المسار ، وأعقد العزم على الاستمرار .
فقلتُ لهما مودّعاً : إن الله يُبدّل السيئات حسنات ، وكما رآكما الله
تعالى في معصيته ، فاحرصا على أن يراكما دائماً في طاعته ، فهذه بتلك
( مما راق لي للدكتور جاسم المطوع . حفظه الله.